كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



حقيقة البعث ترجع إلى إحياء الموتى بإنشائهم نشأة أخرى والجهل هو الموت الأكبر والعلم هو الحياة الأشرف وقد ذكر الله سبحانه وتعالى العلم والجهل في كتابه العزيز وسماهما حياة وموتا ومن رقى غيره من الجهل إلى المعرفة فقد أنشأه نشأة أخرى وأحياه حياة طيبة فإن كان للعبد مدخل في إفادة الخلق العلم ودعائهم إلى الله تعالى فذلك نوع من الإحياء وهي رتبة الأنبياء ومن يرثهم من العلماء.
الشهيد يرجع معناه إلى العليم مع خصوص إضافة فإن الله عز وجل عالم الغيب والشهادة والغيب عبارة عما بطن والشهادة عما ظهر وهو الذي يشاهد فإذا اعتبر العلم مطلقا فهو العليم وإذا أضيف إلى الغيب والأمور الباطنة فهو الخبير وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد وقد يعتبر مع هذا أن يشهد على الخلق يوم القيامة بما علم وشاهد منهم والكلام في هذا الاسم يقرب من الكلام في العليم والخبير فلا نعيده.
الحق هو في مقابلة الباطل والأشياء قد تستبان بأضدادها وكل ما يخبر عنه فإما باطل مطلقا وإما حق مطلقا وإما حق من وجه باطل من وجه فالممتنع بذاته هو الباطل مطلقا والواجب بذاته هو الحق مطلقا والممكن بذاته الواجب بغيره هو حق من وجه باطل من وجه فهو من حيث ذاته لا وجود له فهو باطل وهو من جهة غيره مستفيد للوجود فهو من هذا الوجه الذي يلي مفيد الوجود موجود فهو من ذلك الوجه حق ومن جهة نفسه باطل فلذلك قال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} 28 سورة القصص الآية 88 وهو كذلك أزلا وأبدا ليس ذلك في حال دون حال لأن كل شيء سواه أزلا وأبدا من حيث ذاته لا يستحق الوجود ومن جهته يستحق فهو باطل بذاته حق بغيره وعند هذا تعرف أن الحق المطلق هو الموجود الحقيقي بذاته الذي منه يأخذ كل حق حقيقته.
وقد يقال أيضا للمعقول الذي صادف به العقل الموجود حتى طابقه إنه حق فهو من حيث ذاته يسمى موجودا ومن حيث إضافته إلى العقل الذي أدركه على ما هو عليه يسمى حقا فإذا أحق الموجودات بأن يكون حقا هو الله تعالى وأحق المعارف بأن تكون حقا هيمعرفة الله عز وجل فإنه حق في نفسه أي مطابق للمعلوم أزلا وأبدا ومطابقته لذاته لا لغيره لا كالعلم بوجود غيره فإنه لا يكون إلا ما دام ذلك الغير موجودا فإذا عدم عاد ذلك الاعتقاد باطلا وذلك الاعتقاد أيضا لا يكون حقا لذات المعتقد لأنه ليس موجودا لذاته بل هو موجود لغيره.
وقد يطلق ذلك على الأقوال فيقال قول حق وقول باطل وعلى ذلك فأحق الأقوال قولك لا إله إلا الله لأنه صادق أبدا وأزلا لذاته لا لغيره.
فإذا يطلق الحق على الوجود في الأعيان وعلى الوجود في الأذهان وهو المعرفة وعلى الوجود الذي في اللسان وهو النطق فأحق الأشياء بأن يكون حقا هو الذي يكون وجوده ثابتا لذاته أزلا وأبدا ومعرفته حقا أزلا وأبدا والشهادة له حقا أزلا وأبدا وكل ذلك لذات الموجود الحقيقي لا لغيره.
تنبيه:
حظ العبد من هذا الاسم أن يرى نفسه باطلا ولا يرى غير الله عز وجل حقا والعبد إن كان حقا فليس حقا بنفسه بل هو حق بالله عز وجل فإنه موجود به لا بذاته بل هو بذاته باطل لولا إيجاد الحق له فقد أخطأ من قال أنا الحق إلا بأحد التأويلين:
أحدهما أن يعني أنه بالحق وهذا التأويل بعيد لأن اللفظ لا ينبئ عنه ولأن ذلك لا يخصه بل كل شيء سوى الحق فهو بالحق.
التأويل الثاني أن يكون مستغرقا بالحق حتى لا يكون فيه متسع لغيره وما أخذ كلية الشيء واستغرقه فقد يقال إنه هو كما يقول الشاعر:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا ** نحن روحان حللنا بدنا

ويعني به الاستغراق.
وأهل التصوف لما كان الغالب عليهم رؤية فناء أنفسهم من حيث ذاتهم كان الجاري على لسانهم من أسماء الله تعالى وفي أكثر الأقوال والأحوال هو الحق لأنهم يلحظون الذات الحقيقية دون ما هو هالك في نفسه.
وأهل الكلام لما كانوا أبعد في مقام الاستدلال بالأفعال كان الجاري على لسانهم في الأكثر اسم البارئ الذي هو بمعنى الخالق.
وأكثر الخلق يرون كل شيء سواه فيستشهدون عليه بما يرونه وهم المخاطبون بقوله تعالى: {أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء} 7 سورة الأعراف الآية 185 والصديقون لا يرون شيئا سواه فيستشهدون به عليه وهم المخاطبون بقوله تعالى: {أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} 41 سورة فصلت الآية 53.
الوكيل هو الموكول إليه الأمور ولكن الموكول إليه ينقسم إلى من يوكل إليه بعض الأمور وذلك ناقص وإلى من يوكل إليه الكل وليس ذلك إلا الله سبحانه وتعالى والموكول إليه ينقسم إلى من يستحق أن يكون موكولا إليه لا بذاته ولكن بالتفويض والتوكيل وهذا ناقص لأنه فقير إلى التفويض والتولية وإلى من يستحق بذاته أن تكون الأمور موكولة إليه والقلوب متوكلة عليه لا بتولية وتفويض من جهة غيره وذلك هو الوكيل المطلق والوكيل أيضا ينقسم إلى من يفي بما وكل إليه وفاء تاما من غير قصور وإلى من لا يفي بالجميع والوكيل المطلق هو الذي الأمور موكولة إليه وهو ملي بالقيام بها وفي بإتمامها وذلك هو الله تعالى فقط وقد فهمت من هذا مقدار مدخل العبد في معنى هذا الاسم.
القوي المتين القوة تدل على القدرة التامة والمتانة تدل على شدة القوة والله سبحانه وتعالى من حيث إنه بالغ القدرة تامها قوي ومن حيث إنه شديدة القوة متين وذلك يرجع إلى معاني القدرة وسيأتي ذلك.
الولي هو المحب الناصر ومعنى وده ومحبته قد سبق ومعنى نصرته ظاهر فإنه يقمع أعداء الدين وينصر أولياءه قال الله سبحانه وتعالى: {الله ولي الذين آمنوا} وقال تعالى: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} محمد الآية 11 أي لا ناصر لهم وقال عز وجل: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} 58 سورة المجادلة الآية 21.
تنبيه:
الولي من العباد من يحب الله عز وجل ويحب أولياءه وينصره وينصر أولياءه ويعادي أعداءه ومن أعدائه النفس والشيطان فمن خذلهما ونصر أمر الله تعالى ووالى أولياء الله وعادى أعداءه فهو الولي من العباد.
الحميد هو المحمود المثنى عليه والله عز وجل هو الحميد بحمده لنفسه أزلا وبحمد عباده له أبدا ويرجع هذا إلى صفات الجلال والعلو والكمال منسوبا إلى ذكر الذاكرين له فإن الحمد هو ذكر أوصاف الكمال من حيث هو كمال.
تنبيه:
الحميد من العباد من حمدت عقائده وأخلاقه وأعماله وأقواله كلها من غير مثنوية وذاك هو محمد ومن يقرب منه من الأنبياء ومن عداهم من الأولياء والعلماء وكل واحد منهم حميد بقدر ما يحمد من عقائده وأخلاقه وأعماله وأقواله وإذا كان لا يخلو أحد عن مذمة ونقص وإن كثرت محامده فالحميد المطلق هو الله تعالى.
المحصي هو العالم ولكن إذا أضيف العلم إلى المعلومات من حيث يحصي المعلومات ويعدها ويحيط بها سمي إحصاء والمحصي المطلق هو الذي ينكشف في علمه حد كل معلوم وعدده ومبلغه.
والعبد وإن أمكنه أن يحصي بعلمه بعض المعلومات فإنه يعجز عن حصر أكثرها فمدخله في هذا الاسم ضعيف كمدخله في أصل العلم.
المبدئ المعيد معناه الموجد لكن الإيجاد إذا لم يكن مسبوقا بمثله سمي إبداء وإذا كان مسبوقا بمثله سمي إعادة والله سبحانه وتعالى بدأ خلق الناس ثم هو الذي يعيدهم أي يحشرهم والأشياء كلها منه بدأت وإليه تعود وبه بدأت وبه تعود.
المحيي المميت هذا أيضا يرجع إلى الإيجاد ولكن الموجود إذ كان هو الحياة سمي فعله إحياء وإذا كان هو الموت سمي فعله إماتة ولا خالق للموت والحياة إلا الله سبحانه وتعالى فلا مميت ولا محيي إلا الله عز وجل وقد سبقت الإشارة إلى معنى الحياة في اسم الباعث فلا نعيده.
الحي هو الفعال الدراك حتى إن من لا فعل له أصلا ولا إدراك فهو ميت وأقل درجات الإدراك أن يشعر المدرك بنفسه فما لا يشعر بنفسه فهو الجماد والميت فالحي الكامل المطلق هو الذي يندرج جميع المدركات تحت إدراكه وجميع الموجودات تحت فعله حتى لا يشذ عن علمه مدرك ولا عن فعله مفعول وذلك الله عز وجل فهو الحي المطلق وكل حي سواه.
فحياته بقدر إدراكه وفعله وكل ذلك محصور في قلة ثم إن الأحياء يتفاوتون فيه فمراتبهم بقدر تفاوتهم كما سبقت الإشارة إليه في مراتب الملائكة والإنس والبهائم.
القيوم: اعلم أن الأشياء تنقسم إلى ما يفتقر إلى محل كالأغراض والأوصاف فيقال فيها إنها ليست قائمة بأنفسها وإلى ما يحتاج إلى محل فيقال إنه قائم بنفسه كالجواهر إلا أن الجوهر وإن قام بنفسه مستغنيا عن محل يقوم به فليس مستغنيا عن أمور لابد منها لوجوده وتكون شرطا في وجوده فلا يكون قائما بنفسه لأنه يحتاج في قوامه إلى وجود غيره وإن لم يحتج إلى محل.
فإن كان في الوجود موجود يكفي ذاته بذاته ولا قوام له بغيره ولا يشترط في دوام وجوده وجود غيره فهو القائم بنفسه مطلقا فإن كان مع ذلك يقوم به كل موجود حتى لا يتصور للأشياء وجود ولا دوام وجود إلا به فهو القيوم لأن قوامه بذاته وقوام كل شيء به وليس ذلك إلا الله سبحانه وتعالى.
ومدخل العبد في هذا الوصف بقدر استغنائه عما سوى الله تعالى.
الواجد هو الذي لا يعوزه شيء وهو في مقابلة الفاقد ولعل من فاته ما لا حاجة به إلى وجوده لا يسمى فاقدا والذي يحضره ما لا تعلق له بذاته ولا بكمال ذاته لا يسمى واجدا بل الواجد من لا يعوزه شيء مما لابد منه وكل ما لابد منه في صفات الإلهية وكمالها فهو موجود لله سبحانه وتعالى فهو بهذا الاعتبار واجد وهو الواجد المطلق ومن عداه إن كان واجدا لشيء من صفات الكمال وأسبابه فهو فاقد لأشياء فلا يكون واجدا إلا بالإضافة.
الماجد بمعنى المجيد كالعالم بمعنى العليم لكن الفعيل أكثر مبالغة وقد سبق معناه.
الواحد هو الذي لا يتجرأ ولا يثنى أما الذي لا يتجزأ فكالجوهر الواحد الذي لا ينقسم فيقال إنه واحد بمعنى أنه لا جزء له وكذا النقطة لا جزء لها والله تعالى واحد بمعنى أنه يستحيل تقدير الانقسام في ذاته.
وأما الذي لا يتثنى فهو الذي لا نظير له كالشمس مثلا فإنها وإن كانت قابلة للانقسام بالوهم متجزئة في ذاتها لأنها من قبيل الأجسام فهي لا نظير لها إلا أنه يمكن أن يكون لها نظير فإن كان في الوجود موجود يتفرد بخصوص وجوده تفردا لا يتصور أن يشاركه غيره فيه أصلا فهو الواحد المطلق أزلا وأبدا.
والعبد إنما يكون واحدا إذا لم يكن له في أبناء جنسه نظير في خصلة من خصال الخير وذلك بالإضافة إلى أبناء جنسه وبالإضافة إلى الوقت إذ يمكن أن يظهر في وقت آخر مثله وبالإضافة إلى بعض الخصال دون الجميع فلا وحدة على الإطلاق إلا لله تعالى.
الصمد هو الذي يصمد إليه في الحوائج ويقصد إليه في الرغائب إذ ينتهي إليه منتهى السؤدد ومن جعله الله تعالى مقصد عباده في مهمات دينهم ودنياهم وأجرى على يده ولسانه حوائج خلقه فقد أنعم عليه بحظ من معنى هذا الوصف لكن الصمد المطلق هو الذي يقصد إليه في جميع الحوائج وهو الله سبحانه وتعالى.
القادر المقتدر معناهما ذو القدرة لكن المقتدر أكثر مبالغة والقدرة عبارة عن المعنى الذي به يوجد الشيء متقدرا بتقدير الإرادة والعلم واقعا على وفقهما والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل وليس من شرطه أن يشاء لا محالة فإن الله قادر على إقامة القيامة الآن لأنه لو شاء أقامها فإن كان لا يقيمها لأنه لم يشأها ولا يشاؤها لما جرى في سابق علمه من تقدير أجلها ووقتها فلذلك لا يقدح في القدرة والقادر المطلق هو الذي يخترع كل موجود اختراعا يتفرد به ويستغني فيه عن معاونة غيره وهو الله تعالى.